في المملكة العربية السعودية يمثل نظام الأحوال الشخصية جزءً أصيلاً فيما يخص المواريث والتركات وأحكامه مستاقة من القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث يتم توزيع تركة المتوفى على الورثة المستحقين وفقاً لأنصبة محددة بدقة نص عليها الباب السابع من نظام الأحوال الشخصية، ويعتبر فهم هذه الأحكام النظامية والشرعية وإجراءات تطبيقها أمراً بالغ الأهمية لضمان حقوق جميع الأطراف المعنية وتجنب النزاعات.
لذلك سوف نتعرف في هذا المقال علي تقسيم التركة بين الورثة وكذلك الأسس النظامية والقانونية لتقسيم التركة في المملكة العربية السعودية مع تسليط الضوء على أهم الجوانب التي يجب معرفتها عند التعامل مع قضايا الميراث.
اقرأ أيضًا: التعويض عن الضرر في القانون السعودي: الأسس النظامية والمعايير القضائية
تقسيم التركة بين الورثة
في البداية يجب معرفة معنى التركة كما نصت بذلك المادة 197 من نظام الأحوال الشخصية وهي: (كل ما يتركه الإنسان بعد موته من الأموال والحقوق المالية) عينية ونقدية وديون له أو عليه، وما يتعلق بها من منافع، وذلك بعد تجهيزه ودفنه وسداد ديونه وتنفيذ وصاياه الشرعية (إن وجدت).
يمثل تقسيم التركة بين الورثة في المملكة العربية السعودية عملية محكومة بنصوص نظامية مستمدة من الشريعة الإسلامية، هي التي حددت أنصبة كل وارث مستحق، فبعد وفاة الشخص وقبل البدء في توزيع ممتلكاته تُستوفى الحقوق المتعلقة بالتركة أولًا كما نصت بذلك المادة 198، وتشمل (تجهيز الميت بالمعروف، وسداد ديونه، وتنفيذ الوصية ثم تقسيم التركة).
بعد ذلك يبدأ الورثة المستحقون في اقتسام ما تبقى من الأموال والممتلكات وفقًا للأنصبة الشرعية المقررة لهم، والتي تختلف باختلاف درجة القرابة بالمتوفى وعدد الورثة الآخرين.
الأنصبة الشرعية للورثة في الميراث
حدد نظام الأحوال الشخصية أنصبة ثابتة لبعض الورثة، يطلق عليهم "أصحاب الفروض" ، وفي نظام الميراث الإسلامي يعد الإرث بالفروض أساسًا لتوزيع التركة، حيث تخصص حصص مقدرة شرعاً تعرف بالفروض لفئات معينة من الورثة وهذه الفروض محددة بنصوص قطعية في القرآن والسنة نص عليها نظام الاحوال الشخصية.
عدد الفروض المقدرة شرعًا ستة فروض كما نصت بذلك المادة 207 وهي:
(الثلثان، والنصف، والثلث، والربع، والسدس، والثمن).
أصحاب الفروض
هم الورثة الذين لهم نصيب مقدر من التركة بنص نظامي وينقسمون إلى:
- أصحاب الفروض هم: الزوج، والزوجة، والأب، والأم، والجد لأب وإن علا، والجدة، والبنت، وبنت الابن وإن نزل أبوها بمحض الذكور، والأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخ لأم، والأخت لأم.
توزيع الفروض على الورثة
عند البدء في تقسيم التركة بين الورثة يعطى أولًا أصحاب الفروض أنصبتهم المقدرة شرعًا ويتم تحديد هذه الأنصبة بناءً على حالة كل وارث (مثل كونه زوجًا، أو أباً ، أو أماً أو جداً) ووجود أو عدم وجود ورثة آخرين (مثل وجود فرع وارث أو عدد الإخوة).
فلكل صاحب فرض شروط لاستحقاق نصيبه المحدد، وبعد أخذ أصحاب الفروض لأنصبتهم، قد يتبقى جزء من التركة، وهذا الجزء يوزع على الورثة بالتعصيب، وهم الأقارب الذكور الذين ليس لهم نصيب مقدر، حيث يرثون الباقي بعد أصحاب الفروض، أو يرثون التركة كلها في حال عدم وجود أصحاب فروض، وفي بعض الحالات قد تستغرق الفروض التركة بأكملها أو تزيد عنها (ولها أحكام خاصة).
جدول تقسيم التركة بين الورثة وفق القانون السعودي
يمكننا معرفة نصيب كل فرد في نظام الأحوال الشخصية في القضائي السعودي وفق هذا الجدول:
الصفة | شروط الاستحقاق | النسبة من التركة | ملاحظات |
---|---|---|---|
الأبناء | وجود أبناء ذكور وإناث | للذكر مثل حظ الأنثيين | التوزيع يتم بعد خصم الديون والوصايا |
البنت الوحيدة | إذا لم يكن معها أخ | نصف التركة | إذا زادت عن واحدة فلهن الثلثان |
الزوج | إذا كان هناك أبناء | الربع | وإن لم يكن هناك أبناء فيرث النصف |
الزوجة | إذا كان هناك أبناء | الثمن | وإن لم يكن هناك أبناء فترث الربع |
الأب | مع وجود أبناء | السُدس | وإن لم يكن هناك أبناء، فله الباقي بعد أصحاب الفروض |
الأم | مع وجود أبناء أو إخوة | السدس | وإن لم يوجد أبناء أو إخوة، فترث الثلث |
الأخ الشقيق | إذا لم يكن هناك أب أو ابن | عصبة | يأخذ ما بقي بعد أصحاب الفروض |
الأخت الشقيقة | إذا كانت واحدة فقط | نصف التركة | وإن كُن اثنتين فأكثر، فلهن الثلثان |
جدة (أم الأم أو أم الأب) | عند عدم وجود الأم | السدس | لا ترث إذا كانت الأم على قيد الحياة |
الجد | عند غياب الأب | يأخذ نصيب الأب | له نفس أحكام الأب عند عدم وجوده |
ما هي حقوق المتوفى من التركة قبل تقسيمها
قبل تقسيم التركة بين الورثة هناك حقوق مقدمة تستوفى من التركة نفسها وهذه الحقوق لها ترتيب في الاستيفاء كما نصت المادة 198 وتشمل (تجهيز الميت بالمعروف، وسداد ديونه، وتنفيذ الوصية ثم تقسيم التركة)
- تجهيز المتوفى ودفنه: وتشمل الغسل، والتكفين، والنقل إلى المقبرة، والدفن بالمعروف هذه الحقوق تستوفى أولاً قبل تقسيم التركة.
- سداد ديون المتوفى: تسديد جميع الديون التي كانت على المتوفى ثابتة شرعاً، سواء كانت ديوناً لله (مثل الزكاة والكفارات والنذور) أو ديونًا للعباد (مثل القروض والمهور وأثمان المبيعات) حيث تسدد هذه الديون من كامل التركة قبل تنفيذ الوصايا وقبل توزيع الميراث على الورثة.
- تنفيذ وصايا المتوفى الشرعية: إذا كان المتوفى قد أوصى بشيء في حدود ثلث التركة لغير الوارث، فتنفذ وصيته بعد سداد الديون.
بعد استيفاء هذه الحقوق الثلاثة من التركة يأتي دور تقسيم ما تبقى على الورثة المستحقين حسب الأنصبة الشرعية.
إجراءات تقسيم التركة بين الورثة في المحاكم السعودية
عندما يتعذر على الورثة الاتفاق ودياً على كيفية تقسيم التركة، أو في حال وجود قصر أو غائبين يصبح اللجوء إلى المحكمة المختصة أمراً ضرورياً، وتتمثل هذه الإجراءات في:
- تقديم أحد الورثة أو وكيلهم الشرعي دعوى قسمة تركة إلى محكمة الأحوال الشخصية.
- تتضمن الدعوى تقديم المستندات اللازمة، مثل شهادة الوفاة، وصك حصر الورثة (الذي يحدد الورثة الشرعيين وأنصبتهم الأولية)، ووثائق ملكية الأصول التي تتكون منها التركة.
- تقوم المحكمة بعد ذلك بالتحقق من الورثة وحصر التركة بشكل دقيق وفي حال وجود عقارات أو أصول تحتاج إلى تقييم قد تنتدب المحكمة خبيرًا لتقدير قيمتها.
- بعد استكمال الإجراءات وتقديم التقارير اللازمة، تصدر المحكمة حكماً نهائياً بتقسيم التركة بين الورثة المستحقين وفقاً للأنصبة الشرعية.
- يمكن أن يشمل الحكم كيفية توزيع الأعيان أو الأمر ببيعها وتقسيم ثمنها إذا كان التقسيم العيني متعذراً.
موانع تقسيم الميراث
هناك عدة موانع قد تؤثر بشكل مؤقت على توزيع التركة مثل:
- عدم حصر الورثة بشكل نهائي: لحين التأكد من جميع الورثة المستحقين.
- وجود نزاع بين الورثة: لحين الفصل في النزاع قضائياً.
- وجود قاصر بين الورثة: قد تتطلب بعض الإجراءات حماية لحقوق القاصر قبل التقسيم النهائي.
نصائح عند تقسيم التركة بين الورثة
هذه بعض النصائح للورثة عند التعامل مع تقسيم التركة:
- التواصل والحوار البناء: حاولوا التواصل بشكل مفتوح وصريح مع جميع الورثة للوصول إلى اتفاق ودي حول كيفية تقسيم التركة إن أمكن.
- التريث وعدم الاستعجال: لا تتسرعوا في اتخاذ قرارات بشأن التركة قبل فهم الحقوق والواجبات والإجراءات بشكل كامل.
- طلب المشورة القانونية: إذا كانت التركة كبيرة أو معقدة، أو إذا نشأت خلافات بين الورثة، فمن المستحسن استشارة محامٍ متخصص في قضايا الميراث للحصول على التوجيه القانوني الصحيح.
- توثيق الاتفاقيات: في حال التوصل إلى اتفاق ودي بين الورثة، يفضل توثيقه كتابياً لضمان حقوق الجميع وتجنب أي نزاعات مستقبلية.
- تقدير قيمة التركة بشكل عادل: عند تقييم أصول التركة (مثل العقارات والمركبات وغيرها)، حاولوا الاتفاق على قيمة عادلة لتسهيل عملية التقسيم حيث يمكن الاستعانة بخبراء تقييم إذا لزم الأمر.
- التركيز على الحقوق وليس العواطف المجردة: عند المطالبة بالأنصبة استندوا إلى الحق الشرعي والقانوني لكل وارث.
- التعاون في الإجراءات القانونية: إذا لزم الأمر اللجوء إلى المحكمة، تعاونوا في تقديم المستندات المطلوبة وتسهيل الإجراءات.
المصدر: نظام الأحوال الشخصية
وختاماً، يمكن القول إن عملية تقسيم التركة بين الورثة في المملكة العربية السعودية تستند إلى نصوص نظامية محكمة مستمدة من الشريعة الإسلامية السمحة، التي تهدف إلى تحقيق العدل وتوزيع الحقوق على مستحقيها، وفهم هذه الأسس الشرعية والإجرائية ضمان لحصول كل ذي حقٍ حقه وتجنب النزاعات بين أفراد الأسرة.